سألت نفسي:
ماذا يعني أن تكون فناناً؟
سأحاول الجواب ولو اني متعثر وحائر.

أن أكون فنّاناً يعني أني حُمّلت منذ ولادتي مسؤولية رسالة أمانة زرعها الخالق بي كي أكون ما أنا به الآن. إنسانٌ فنّانٌ أتربّع على كم من التجارب والأعمال الفنية التشكيلية التي عرضت الكثير منها وأخرى ما زالت في الأدراج وعلى الرفوف في المحترف،
عدا التي ما زالت في المخيّلة والبال تنتظر لحظة زمن كي تتظهّر على المسطحات وفي الأحجام.

أن أكون فنّاناً يستلزم منّي جهوزية دائمة لخوض عراك وجدال ولعب وسفر مع أدواتي وموادي وتخيّلاتي المتجسدة في الحجارة والخشب وعلى القماش والورق.

أن أكون فنّاناً يعني أني حاضر دائماً للتأمل والإمتصاص والغرف والإختزال والتظهير والبحث والتعبير والتأثير والعرض والحوار ثمَّ الإنكفاء والتبصّر ومن ثمَّ معاودة المحاولة والتكرار والتنقية في العقل الواعي واللاواعي توصلاً إلى قناعات شبه نهائية لإشكالياتي الفنية.

أن أكون فنّاناً يعني أني متيقظ دوماً لملاقاة القلق وجعله حيلة لاستنباط أفكار وطرق ووسائل جديدة تعبّد دروب الخلق المفاجئة في تلافيف البحث الفني من أسلوب ومواد وأداء.

أن أكون فنّاناً يتطلّب منّي استعداداً تاماً للمغامرة المخبأة خلف أكوام المصادفات الناتجة من ظروف العيش والأقدار ومسار الحياة.

أن أكون فنّاناً يعني أني أهب ذاتي لإله حاصرني في لعبة الخلق وأرخى تحدّياته في طيّات الأيام والساعات والدقائق والثواني.

أن أكون فنّاناً يعني أن أدخل في متاهات منافذها صعبة تستوجب عملاً وجهداً كبيرين ومعاناة شديدة لكنها لذيذة وابتكار وسائل مستجدة والخروج منها بنتائج مضيئة.

أن أكون فنّاناً يعني أن أبعث الغبطة وأنشرها في مجتمعي ووطني بعد أن أكون قد انعزلت وعانيت وتأملت واستنتجت وقرّرت ووقّعت.

أن أكون فنّاناً يعني أني مستسلم لموادي وأدواتي وأحلامي وأقداري كما العاشق والمتعبّد.

أن أكون فنّاناً يعني أن أمحّي كلّياً ويومياً، منقاداً بالمقبل من الأحاسيس والرؤى وتسييرها في قنوات المسموح والمقبول من طروحاتي الجمالية وأساليبي الفنية.

أن أكون فنّاناً يعني أن أعرف كيف أقتنص اللحظة وأجسّدها بأعمال لا تتكرّر في زمن آخر وان أراكم الأعمال بسيلان الوقت وأعرف كيف أغربل وأنتقي وأنقّي.

أن أكون فنّاناً يعني أن أسعى بجد وإحترافية دون تزلف لأحظى بإحترام مجتمعي وأبناء وطني لأكبر في أعينهم وأكون رائداً في بناء الحركة التشكيلية الفنية في بلدي أولاً وفي كافة بقاع الأرض ثانياً.

أن أكون فنّاناً يعني أن ان شعلة الخلق والإبتكار ستبقى مضاءة وقّادة ما دام في الجسد نبض وروح. هذا الإندفاع وتلك الحماسة لتجسيد الأعمال الفنية أساسان ملزمان للتوهج والتواصل والإختراق.

أن أكون فنّاناً يعني أن أظل شغوفاً بما أفعل ليبقى للفن أثره الإنساني والجمالي بكل الأبعاد الإحترافية – التقنية والإستشرافية.

أن أكون فنّاناً يعني أن أكون قريباً من الينابيع الأولى لمنبت الفن أي الطبيعة بما فيها من إنسان وجماد وتحوّلات وتبدّلات. وأن أكون متنبّهاً لإلتقاط حالاتها البارزة والمفيدة لتكوين الصياغات والرؤى الفنية والجمالية.

وأخيراً أن أكون فنّاناً عليَّ أن أكون ذاتي لأحافظ على خصوصيتي المميزة إنسانياً وفنياً وأن أبقى صادقاً مؤمناً بما أفعل بكل شفافية وترفع ووله.