إن ابتكار اللوحة المنحوتة الذي بدأته سنة 1978 وتابعت تطويره حتى اليوم لم يكن وليد المصادفة، بل نتيجة لقلق وبحث وتساؤلات.
طراوة اللون وغناه، طواعية القماشة، قسوة الخشب أو عناده:
ثنائية في الشكل، في التقنية، في المضمون، في الملمس والاحاسيس .حبّك للنحت وشغفك باللون خدما كثيراً هذه التقنية في التعبير.
ولكن إذا ذهبنا إلى أبعد من الشكل والصورة والتلوين، هل تعكس اللوحة المنحوتة ابعادك الداخلية، طبعك، مزاجك، تكوين مخيلتك وعالمك الانفعاليّ؟
بِحكم نشأتي الفنية المؤسسة على المواءمة بين فنَّي النحت والرسم: كان لا بد لي من البحث الجاد، اربعين عاماً، لاستيلاد سبل ناجعة لجمع هذين الفنين في بوتقة تنتسب إلى عالمي الفني، تالياً التفرّد بأسلوب تشكيلي مميز، بات سمة من خصائص شخصيتي تلتصق باسمي وبتوقيعي. هذا في النتائج، أمّا البدايات فقد كانت مسألة التزاوج بين فنين متوازيين، في الخصائص والمواد والأدوات، اشكالية اقلقت مراحل بحثي الفني الجمالي في كل تنوعاته وتجاربه توصلاً الى اقتناعات مرحلية لا تزال خاضعة للتطوير والتبلور. هذا المنحى في البحث التشكيلي هو نتيجة القلق الابداعي الموشوم بطبعي، مزاجي، مخيلتي وعالمي الانفعالي المتبدل مع الحياة. البحث والتعمق في متاهات الفن واغواره، هوايةً واحترافاً، يميزان مسيرتي التشكيلية التي باتت حقلاً فسيحاً خاضعاً لكل أنواع الاختبارات والتبدلات المتآخية احياناً والمتنافرة أحياناً أخرى، توصلاً إلى المتعة الجمالية المسحورة ببريق اللحظات الخلاقة.
نفسي، منذ البدايات، منذورة للعبة الخلق ومجبولة بمتعها ولذائذها، بثوراتها وقلقها، بأفراحها وأشجانها، بكرمها وعقوقها. الأهمّ في هذه المعمعة هو الايمان بالخلاص من خلال الفن الصادق المشبّع ببصمات الذات المتبصّرة الخلاّقة الواهبة الفنان وفنه بريقاً يدهش ويحفر آثاره في عيون البشر وتاريخ الفن.
بدءاً بفن السيراميك وصولاً إلى استعمالات الخشب والقماش والمواد المجمّعة والألوان، مروراً بتبديل الملامس والأحاسيس والأساليب والطرق والوسائل الفنية، بتُّ أشعر ان لفنّي هويّة تطبع قلقي وتساؤلاتي الفنية والوجودية في إطار خاص ومتميّز، لكنه متحررٌ وغير مقفل على ذاته، يرنو دوماً إلى الانفتاح على احتمالات واتجاهات خلقية متحولة في كل لحظة وآن، ما دام للحلم مساحاته الشاسعة وللجسد نبض وحراك.
مسألة التفتيش عن اسلوب خاص بات وراء سعيي الملحّ، أمّا عن المعاني والاشكاليات الجمالية المستجدة فهي هاجس دائم في تطلعاتي للتعبير الحر والصادق عن مكنونات النفس وما يحركها. هاجس يتجدد، مع تبدلات الحياة والظروف والأحداث، مولّداً تشكيلات الفن الهاجس بحراك حيّ.
إن المنحوتة واللوحة واللوحة المنحوتة وكل عمل تلامسه يدايَ، تعكس حركتي الداخلية المتولدة من الطبع والمزاج والحلم والتخيّل وتأثير الزمان والوقائع. لذا، فكل ما انتجه هو حصادٌ من الانفعالات والتجارب والرؤى، تالياً اتبنّى كل نقطة لون تخرج من ريشتي ومن اصابعي، وكل نقرة من ازميل يصدر عن مطرقتي ويدي لأن محصّلتي الفنية هي مجموع تلك التراكمات اللونية والنحتية المتمازجة والمعجونة بنسغ الأحاسيس القلقة.